العلاقة السرية بين عائلة الأسد وإسرائيل: تاريخ معقد بين العداء والتنسيق
رغم العداء العلني بين سوريا وإسرائيل منذ تأسيس الدولة العبرية عام 1948، ظهرت تقارير عديدة تشير إلى وجود علاقات سرية بين عائلة الأسد، التي حكمت سوريا منذ عام 1971، وإسرائيل. هذه العلاقات التي تتناقض مع الخطاب السياسي الرسمي للنظام السوري، تكشف عن مزيج من المصالح المشتركة والمناورات السياسية التي استمرت لعقود.
1. العلاقة مع حافظ الأسد (1971-2000)
تولى حافظ الأسد السلطة في سوريا عام 1971، وكان خطابه السياسي يعبر عن التزامه بتحرير الأراضي العربية المحتلة ودعم القضية الفلسطينية. لكن خلف الكواليس، تشير تقارير إلى وجود قنوات تواصل سرية بين النظام السوري وإسرائيل.
اتفاق فك الاشتباك 1974
بعد حرب أكتوبر 1973، وقع الجانبان اتفاقية فك الاشتباك بوساطة أمريكية. حافظ الأسد التزم بضمان استقرار الجبهة في مرتفعات الجولان، وهو ما اعتبرته إسرائيل نوعًا من "التفاهم الضمني" بين الجانبين.
منذ ذلك الوقت، أصبحت الجبهة السورية-الإسرائيلية الأكثر هدوءًا مقارنة بجبهات أخرى.
التنسيق الاستخباراتي
ذكرت تقارير استخباراتية أن حافظ الأسد سمح بفتح قنوات تواصل غير مباشرة مع إسرائيل عبر وسطاء دوليين، بهدف التفاوض على قضايا أمنية ومصالح مشتركة.
يُقال إن الأسد كان يهدف إلى الحفاظ على نظامه السياسي من خلال تجنب أي مواجهة مباشرة مع إسرائيل.
2. العلاقة مع بشار الأسد (2000-2024)
عندما تولى بشار الأسد السلطة عام 2000، استمر في الخطاب المناهض لإسرائيل، لكنه حافظ على التوازن الذي ورثه عن والده في العلاقة معها.
مباحثات السلام السرية
في الفترة بين 2008 و2010، جرت مفاوضات سرية بين سوريا وإسرائيل بوساطة تركية. تضمنت المفاوضات إمكانية انسحاب إسرائيل من الجولان مقابل تطبيع العلاقات مع سوريا.
على الرغم من فشل هذه المحادثات، إلا أنها كشفت عن استعداد بشار الأسد للتفاوض مع إسرائيل إذا كان ذلك سيضمن له تحقيق مكاسب سياسية.
التنسيق في قضايا أمنية
خلال الحرب الأهلية السورية، أفادت تقارير بأن إسرائيل غضت الطرف عن بعض تحركات النظام السوري لضمان بقاء حدودها الشمالية مستقرة
يُعتقد أن إسرائيل تجنبت استهداف مواقع رئيسية للنظام السوري خلال ضرباتها الجوية، مركزةً بدلاً من ذلك على أهداف إيرانية وحزب الله.
3. القضايا الاقتصادية والتهريب
تشير تقارير إلى وجود نشاطات اقتصادية سرية بين الجانبين، من بينها عمليات تهريب عبر الحدود السورية-الإسرائيلية في الجولان.
في الثمانينيات والتسعينيات، أُثيرت مزاعم عن تهريب منتجات إسرائيلية إلى سوريا عبر وسطاء لبنانيين وسوريين، وهو ما اعتبرته بعض المصادر دليلًا على وجود "تفاهمات ضمنية" بين النظام السوري وإسرائيل.
4. المواقف الإسرائيلية من عائلة الأسد
إسرائيل، رغم خطابها العدائي تجاه النظام السوري، كانت تعتبر نظام الأسد خيارًا أفضل مقارنة ببدائل محتملة مثل الإسلاميين أو الجماعات المتطرفة. النظام السوري كان يُنظر إليه كحارس غير مباشر لاستقرار الجبهة الشمالية لإسرائيل.
إسرائيل وحرب 2011
خلال الثورة السورية، اتخذت إسرائيل موقفًا غامضًا، حيث لم تدعم بشكل واضح أي طرف. يُعتقد أن إسرائيل خشيت من انهيار النظام وظهور قوى معادية غير متوقعة على حدودها.
وثائق مسربة ذكرت أن بعض المسؤولين الإسرائيليين كانوا يفضلون بقاء الأسد في الحكم على أن تحكم سوريا جماعات متطرفة
5. أسباب العلاقة السرية
المصالح الأمنية المشتركة: ضمان استقرار الحدود ومنع التصعيد العسكري.
الخوف من البدائل: إسرائيل رأت في نظام الأسد طرفًا يمكن التنبؤ بتصرفاته، مقارنة بجماعات مسلحة أو أنظمة غير مستقرة.
الوساطة الدولية: كان للولايات المتحدة وأطراف دولية أخرى دور في تسهيل التواصل بين الجانبين.
الخلاصة
العلاقة السرية بين عائلة الأسد وإسرائيل تكشف عن ازدواجية النظام السوري الذي استخدم خطاب المقاومة لتحقيق شرعية داخلية، بينما حافظ على قنوات تواصل سرية مع إسرائيل لتحقيق مصالح مشتركة. هذه العلاقة تُبرز تناقضات السياسة في الشرق الأوسط، حيث تختلط العداوات المعلنة بالتفاهمات السرية للحفاظ على الاستقرار أو تحقيق أهداف سياسية.
بعد سقوط نظام الرئيس السوري بشار الأسد في ديسمبر 2024، كثفت إسرائيل عملياتها العسكرية في سوريا، متبعةً استراتيجيات متعددة لتحقيق أهدافها الأمنية والسياسية.
الهجمات الجوية:
عدد الغارات: شنت إسرائيل أكثر من 300 غارة جوية على مواقع مختلفة في سوريا منذ سقوط الأسد.
الأهداف المستهدفة: تركزت الغارات على مستودعات الذخيرة، ومواقع عسكرية، ومنشآت تابعة لإيران وحزب الله، بهدف منع نقل الأسلحة المتطورة إلى هذه الجهات.
الهجمات البرية:
التوغلات: قامت القوات الإسرائيلية بتوغلات برية في مناطق مثل القنيطرة وريف دمشق، مستهدفةً مواقع عسكرية ومنشآت استراتيجية.
السيطرة على جبل الشيخ: استولت إسرائيل على قمة جبل الشيخ، التي تُعتبر أعلى نقطة في سوريا، لتعزيز قدراتها الاستخباراتية والمراقبة.
الهجمات البحرية:
استهداف البحرية السورية: دمرت إسرائيل أجزاءً كبيرة من البحرية السورية، بما في ذلك سفن حربية وموانئ، لتعطيل القدرات البحرية السورية ومنع تهريب الأسلحة عبر البحر.
الأهداف الاستراتيجية:
منع نقل الأسلحة: هدفت إسرائيل إلى منع نقل الأسلحة المتطورة إلى حزب الله والفصائل المسلحة الأخرى.
تقويض النفوذ الإيراني: سعت إسرائيل إلى تقليص النفوذ الإيراني في سوريا من خلال استهداف مواقع تابعة لإيران والميليشيات المرتبطة بها.
تعزيز الأمن الحدودي: عملت إسرائيل على تأمين حدودها الشمالية من خلال السيطرة على مواقع استراتيجية مثل جبل الشيخ.
التداعيات الإقليمية:
ردود الفعل الدولية: أثارت هذه العمليات ردود فعل متباينة من قبل المجتمع الدولي، حيث دعت بعض الدول إلى ضبط النفس وتجنب التصعيد.
التأثير على الفصائل المسلحة: أدت الهجمات الإسرائيلية إلى إضعاف بعض الفصائل المسلحة وتقليص قدراتها العسكرية.
الخلاصة:
استغلت إسرائيل الفراغ الأمني والسياسي في سوريا بعد سقوط نظام الأسد لتعزيز أمنها القومي وتحقيق أهدافها الاستراتيجية من خلال سلسلة من العمليات العسكرية الجوية والبرية والبحرية.
تخوف إسرائيل من انتصار الثورة السورية
منذ اندلاع الثورة السورية في عام 2011، كانت إسرائيل تراقب الوضع عن كثب، حيث أثارت الأحداث في سوريا قلقًا كبيرًا في الأوساط السياسية والأمنية الإسرائيلية. هذا التخوف ينبع من عدة أسباب ترتبط بالتداعيات الأمنية والسياسية والجيواستراتيجية التي قد تنجم عن انتصار الثورة السورية وإسقاط نظام الأسد.
1. التداعيات الأمنية والجغرافية
إسرائيل تعتمد منذ عقود على "جبهة هادئة" مع سوريا، خصوصًا في مرتفعات الجولان، رغم العداء الرسمي بين البلدين. حافظ نظام الأسد، منذ توقيع اتفاقية فك الاشتباك في عام 1974، على استقرار نسبي في المنطقة الحدودية، مما جعل إسرائيل ترى في نظام الأسد شريكًا "ضمنيًا" في الحفاظ على هذا الوضع.
انتصار الثورة السورية قد يؤدي إلى:
صعود قوى غير مركزية أو جماعات إسلامية مسلحة، مثل تنظيمات قريبة من "القاعدة" أو "داعش"، التي قد تستغل الفراغ السياسي في سوريا وتصبح تهديدًا مباشرًا لإسرائيل.
تقويض اتفاق فك الاشتباك في الجولان وزيادة التوتر على الحدود الشمالية لإسرائيل.
2. إعادة تشكيل التحالفات الإقليمية
إسرائيل تخوفت من أن يؤدي سقوط نظام الأسد إلى:
انهيار محور "المقاومة والممانعة" الذي تقوده إيران، مما قد يغير موازين القوى في المنطقة. على الرغم من العداء الظاهري بين إسرائيل وسوريا، كان هذا المحور يمثل توازنًا يمكن التنبؤ به.
تشكل نظام سوري جديد يدعم التحالفات الإقليمية المعادية لإسرائيل، مثل حكومة ديمقراطية قد تكون قريبة من جماعات مؤيدة لفلسطين.
3. دور إيران وحزب الله
رغم العداء التاريخي بين الأسد وإسرائيل، كان وجود النظام السوري يخدم كقناة لإيران وحزب الله في المنطقة. التخوف الإسرائيلي كان من أن انتصار الثورة قد يؤدي إلى:
انسحاب إيران وحزب الله من سوريا وزعزعة وجودهما العسكري، مما يعني تغير طبيعة التهديدات التي كانت إسرائيل تعرف كيف تتعامل معها.
فراغ قد تملأه قوى غير معروفة، ما يجعل إسرائيل غير قادرة على التنبؤ بخريطة التهديدات الجديدة.
4. تأثير الانتصار على الداخل الإسرائيلي
الثورة السورية كانت تلهم قوى المعارضة في المنطقة، وأثارت مخاوف من أن يؤدي انتصارها إلى تشجيع حركات معارضة أخرى في دول الجوار لإسرائيل، مثل الأردن أو حتى داخل الأراضي الفلسطينية. إسرائيل تخوفت من:
انتشار عدوى الثورات إلى الدول الحليفة لها.
إعادة إحياء الدعم الشعبي للقضية الفلسطينية في المنطقة.
5. التوازن الدولي
إسرائيل كانت تعتمد على دعم الولايات المتحدة في سياستها تجاه سوريا، لكن انتصار الثورة السورية كان قد يؤدي إلى:
تدخل روسي أو صيني أكبر لدعم النظام الجديد.
إعادة تشكيل التحالفات الدولية، حيث يمكن أن تبرز سوريا كدولة حليفة لدول تعادي إسرائيل، مما يعقد الحسابات السياسية على المستوى الدولي.
الموقف الإسرائيلي من الثورة
إسرائيل اتبعت سياسة مزدوجة تجاه الثورة السورية:
الدعم غير المباشر للمعارضة المسلحة في بعض الحالات، من خلال توفير الدعم اللوجستي والطبي للجماعات المسلحة في الجولان، بهدف خلق جبهة ضعيفة وغير مستقرة تُشغل النظام السوري.
الحرص على عدم انهيار كامل للنظام السوري، لتجنب ظهور قوى غير محسوبة قد تهدد أمن إسرائيل.
الخلاصة
التخوف الإسرائيلي من انتصار الثورة السورية كان قائمًا على مزيج من الاعتبارات الأمنية والجيوسياسية. إسرائيل رأت أن انتصار الثورة قد يهدد استقرار الحدود، يغير طبيعة التهديدات في المنطقة، ويعيد تشكيل التحالفات الإقليمية بطريقة قد تكون غير مواتية لها. لهذا السبب، اعتمدت إسرائيل سياسة مركبة تهدف إلى إدارة الأزمة السورية بدلًا من السماح بنصر حاسم لأي طرف، مما يضمن بقاء الوضع تحت سيطرتها الاستراتيجية.
تعليقات
إرسال تعليق