في مرحلة الأسد الابن، تغيرت أهداف الصراعات بين الأجهزة الأمنية، التي بدأت تتقاتل حول النفوذ على الأرض. وتبدو خريطة دمشق اليوم، موزّعة إلى جزر أمنية، تتبع كل منها لفرع وقسم، كقسم الأربعين التابع للفرع الداخلي في شعبة استخبارات أمن الدولة، الذي يسيطر على منطقة الطلياني جسر أبيض، وحتى ساحة الأمويين في قلب العاصمة دمشق.

وتتكوّن الأجهزة الأمنية السورية من "شعبة المخابرات العامة ـ أمن الدولة"، و"شعبة المخابرات العسكرية"، و"شعبة المخابرات الجوية"، و"شعبة الأمن السياسي". ويتفرّع عنها العديد من الفروع والأقسام المنتشرة في جميع مناطق البلاد، المرتبطة جميعها بمكتب "الأمن الوطني"، المُشكّل في العام 2009، والمتصل مباشرة برئاسة الجمهورية، بدلاً من "مكتب الأمن القومي" الذي كان يتبع القيادة القطرية لحزب البعث.

وبحسب مرسوم تشكيل مكتب "الأمن الوطني"، يتمتع المسؤول عن رسم السياسات الأمنية السورية والإشراف على الأجهزة الأمنية بصلاحيات واسعة جداً في الشأنين الداخلي والخارجي، ويرأس المكتب اللواء علي المملوك، المقرّب من الأسد الابن، وذلك خلفاً للواء هشام اختيار، الذي اغتيل عام 2012، ضمن تفجير استهداف خلية الأزمة التابعة للنظام.
ويشتمل المكتب على غرفة عمليات رئيسية، موصولة بجميع الاتصالات السلكية واللاسلكية، بما فيها قوى الأمن الداخلي المعروفة بالشرطة، والتابعة لوزارة الداخلية. ما يجعلها قادرة على معرفة تحركات كامل الدوريات والقوى التابعة لكل الفروع.
وتتبع إدارة "أمن الدولة والأمن السياسي" شكلياً إلى وزارة الداخلية، في حين تتبع شعبتا "المخابرات العسكرية" و"الجوية" وزارة الدفاع. وتمتلك العناصر الأمنية حصانة قانونية استناداً لمراسيم تشكيلها، وفقاً للمادة 16 من قانون "استحداث إدارة أمن الدولة"، الذي صدر بالمرسوم التشريعي رقم 14 تاريخ 15/ 1/ 1969. ويتبيّن من المادة أن عناصر الجهاز محميون من الملاحقة القضائية في حال ارتكابهم جرائم تعذيب، علىالرغم من أن القانون يصفها بـ "الجرائم".

وجاء في نصّ المادة 16 ما يلي: "لا يجوز ملاحقة أي من العاملين في إدارة أمن الدولة عن الجرائم التي يرتكبونها أثناء تنفيذ المهمات المحددة الموكلة إليهم، أو في معرض قيامهم بها إلا بموجب أمر ملاحقة يصدر عن المدير".
ولا تزال هذه القوانين سارية إلى اليوم، بل إن الأجهزة باتت فوق القانون من دون رقابة ولا رقيب، ويُعتبر رئيسها وحده المخوّل بمراقبتها فقط. وتجلّى ذلك في أبسط الأشكال كـ "انعدام التقيّد بمدة التوقيف المحددة في القانون بـ60 يوماً"، إذ مرّت سنوات على الكثير من المعتقلين من دون الكشف عن مصيرهم. كما أن ملفات من يُحوّل إلى المحكمة تبقى عالقة، في ظلّ عدم جرأة القاضي على سماع شكوى المعتقل، لأن القضاة يُعيّنون بموافقة أمنية، فيساهمون بالتالي في توقيف المعتقلين لسنوات من دون محاكمة فعلية استناداً للتعليمات الأمنية.
وكان اللواء السبعيني، بدأ حياته العسكرية الأمنية، إثر انتقائه من اللواء محمد الخولي ليكون أحد ضباط فرع "المخابرات الجوية"، الذي أمر الأسد الأب بتشكيله بداية سبعينيات القرن الماضي، وكان معه عدد من الضباط أمثال ابراهيم حويجة ومحمد حمادة وياسين محمد ياسين وغيرهم.

تسلّم المملوك فرع التحقيق في "المخابرات الجوية. ومع بداية تشكيل هذا الفرع، كان هدفه حماية أمن سلاح الجو السوري، وأمن الأسد، لتتسع صلاحياته لاحقاً إلى مطاردة معارضيه، ويصبح أحد أكثر الأفرع ملاحقة للسياسيين المناوئين للأسد، ولدى ضباطه قائمة طويلة من الاتهامات بارتكاب انتهاكات بحق المعتقلين والتفنن في تعذيبهم.
برز اسم المملوك إعلامياً منذ العام 2002، وتحدثت تقارير عن ارتكابه انتهاكات لحقوق الإنسان بحق المعتقلين، فضلاً عن الحديث عن دوره في السياسة الخارجية السورية، وعلى رأسها ملف العلاقات التركية السورية، والأميركية السورية، بحسب ما تكشفه برقيات موقع ويكيليكس.
لم يغب المملوك عن السياسة الداخلية، ففي العام 2005، بدأ النظام ما سُمّي حينها بـ "الانفتاح" عبر التطوير والتحديث، فتبنّى معظم المواقع الإلكترونية الصحافية عبر تمويلها وتوجيهها، ويُقال إنه كان يعارض فتح المجال أمام المجتمع المدني. اليوم، بات المملوك مطلوباً من قبل القضاء اللبناني في قضية ميشال سماحة، بتهمة إدخال مواد متفجّرة إلى لبنان والتخطيط للقيام بعمليات اغتيال داخل الأراضي اللبنانية.
وترافق تعيين المملوك رئيساً لمكتب "الأمن الوطني"، مع تعيين اللواء رستم غزالة رئيساً لشعبة "الأمن السياسي"، بعد أن كان يشغل منصب رئيس فرع "الأمن العسكري" في دمشق، واللواء ديب زيتون رئيساً لإدارة "المخابرات العامة"، في حين كان اللواء جميل حسن رئيساً لشعبة "المخابرات الجوية"، واللواء رفيق شحادة رئيساً لشعبة "المخابرات العسكرية".
وأتت التغيرات الأخيرة ضمن ترتيب التوازنات بما يخدم مصلحة المملوك، ومن أبرزها تنحية العقيد حافظ مخلوف، ابن خال الأسد وشقيق رجل الأعمال المتنفذ رامي مخلوف، الذي يوصف بأنه "وكيل الأسد التجاري"، من رئاسة ما يُعرف بـ "قسم الأربعين" التابع لفرع الأمن الداخلي في إدارة "المخابرات العامة"، والذي كان على علاقة سيئة مع المملوك أيام ترؤسه الإدارة.

ويُقدّر عدد عناصر أجهزة الأمن السورية المختلفة بنحو 100 ألف عنصر وضابط، أما اليوم هناك عشرات الآلاف المنظمين في مليشيات موالية تقاتل في صفوفهم. وتُعتبر سورية من أكثر الدول الأمنية استناداً إلى حصة المواطنين من عناصر الاستخبارات، فلكل 129 مواطناً سورياً، يوجد عنصر أمني، وهي من أعلى النسب في العالم