من قلب المعاناة، وبين ركام الأبنية وشظايا القصف، وُلدت صفحة "شاهد عيان حلب" لتكون صوتًا للحقيقة، وعدسة للواقع، ومراسلًا لا يكلّ. انطلقت لتوثق الثورة، واستمرت بعد النصر لتخدم المجتمع وتنقل همومه.
البداية من قلب المعركة
في 17 يوليو 2012، ومع بداية المعارك داخل مدينة حلب، انطلقت صفحة "شاهد عيان حلب" على فيسبوك كمبادرة تطوعية من شباب داخل المدينة، سلاحهم الوحيد كان الهاتف المحمول وكلمة صادقة. غايتهم نقل ما يجري من أحداث إلى العالم، لحظة بلحظة.
رغم التحديات الأمنية، وانتشار القصف، وانقطاع الكهرباء، نمت الصفحة بسرعة لتصبح من أشهر المنصات الإعلامية في الداخل السوري، يتابعها مئات الآلاف من السوريين والمهتمين حول العالم.
مبادئ التحرير: الحياد رغم العاصفة
اعتمد الفريق التحريري نهجًا صارمًا في الموضوعية والابتعاد عن الترويج السياسي لأي جهة، ورفضوا التمويل الخارجي حفاظًا على الاستقلالية. كانت الصفحة صوتًا حرًا، تنقل الحدث كما هو، وتُعلّق عليه بضمير حيّ لا بانحياز أيديولوجي.
هذا الحياد أغضب بعض النشطاء الذين أرادوا خطابًا أكثر حدة، لكن جمهور الصفحة عرف أنه يتلقى محتوى موثوقًا، وهو ما رسخ مصداقيتها.
توثيق المجازر والانتهاكات
لعبت "شاهد عيان حلب" دورًا كبيرًا في توثيق مجازر النظام السوري، مثل مجزرة جامعة حلب في 2013، وقصف الأسواق الشعبية، وانتهاكات بحق المدنيين والمعتقلين. استخدمت الصفحة شهادات حية وصورًا وفيديوهات التُقطت من عين المكان.
وقد ساهمت هذه التوثيقات في بناء ملفات حقوقية سلمت لاحقًا لمنظمات دولية، ما عزز الضغط على النظام أمام الرأي العام العالمي.
دور عالمي: من فيسبوك إلى المحافل الدولية
حظيت حملات الصفحة، مثل حملة #Save_Aleppo، بتفاعل عالمي واسع، وساهمت في تحريك الإعلام الدولي لتسليط الضوء على معاناة المدينة المحاصرة.
تناقلت وسائل إعلام عالمية مثل CNN وBBC وABC ووسائل عربية تقارير الصفحة بشكل مستمر، ما أعطاها ثقلًا إعلاميًا رغم أنها انطلقت من أحياء محطمة ومنازل مهدّمة.
ما بعد التحرير: توثيق الحياة المدنية والخدمات
مع تحرير حلب من النظام والميليشيات، لم تتوقف الصفحة عند حدود نقل المعارك، بل تحوّلت لتوثيق واقع الحياة اليومية. بدأت بنشر تقارير مصورة عن:
وضع الطرق والبنية التحتية
خدمات المياه والكهرباء والصرف الصحي
أداء المجالس المحلية والبلديات
أحوال المدارس والمراكز الطبية
كما بدأت تلعب دور "الرقيب المجتمعي"، حيث تنقل شكاوى المواطنين من سوء الخدمات، وتسلّط الضوء على حالات الفساد والتقصير من الجهات المسؤولة، مما ساعد في تحسين الأداء الخدمي.
استمرارية رغم التحديات
رغم مغادرة بعض أعضاء الفريق للمدينة بسبب الظروف الأمنية، استمرت الصفحة بفضل فريق موزع بين الداخل والخارج، ما أتاح لها تغطية شاملة ومستمرة.
الحفاظ على المصداقية، والتدقيق في كل معلومة قبل نشرها، والانفتاح على الجمهور جعل من "شاهد عيان حلب" منصة مجتمعية حقيقية، لا مجرد مصدر أخبار.
الخاتمة: تجربة إعلامية تستحق التقدير
صفحة "شاهد عيان حلب" ليست فقط أرشيفًا للثورة، بل نموذجًا للإعلام المجتمعي النزيه، الذي يقف في صف الناس، ويؤدي دوره بحياد وضمير.
هي ذاكرة حلب، وشاهد على الجراح والانتصار، وهي اليوم شاهد على بناء الإنسان بعد أن سكتت البنادق.
تعليقات
إرسال تعليق