القائمة الرئيسية

الصفحات

إرث الأسد البائد - الجزء الخامس: في سوق المافيا البعثيةكيف صار الفساد مكونًا جينيًا في المجتمع السوري؟



منذ اللحظة التي أمسكت فيها قبضة البعث بمقاليد الدولة، بدأ زرع منظومة فساد معقدة داخل كل مؤسسة وكل عقل. ما كان فسادًا إداريًا في البداية، تحول إلى منهج حياة. ومع قدوم بشار الأسد، لم يُصلح هذا الخراب، بل أدار الفساد كأنه مورد استثماري واستراتيجية بقاء.

في هذا المقال، نفتح ملفات مسكوتًا عنها في الداخل والخارج، ونكشف كيف أصبح السوري يحمل هذا الإرث البائس معه إلى المنافي، ليتحول الفساد من ممارسة سلطوية إلى ثقافة مجتمعية.




فساد البعث: حيث الرشوة قانون غير مكتوب

في عهد حافظ الأسد، لم يكن الحصول على معاملة رسمية يتم إلا عبر الرشوة أو الوساطة. كانت مؤسسات الدولة تُدار بعقلية المخابرات والتقارير والصفقات. كل شيء له سعر: توقيع، تقرير طبي، بطاقة تموين. غُيّبت الكفاءات لصالح أهل الثقة، وصار الولاء السياسي مفتاحًا للترقي.




فساد بشار: من الدولة إلى المزرعة

بشار الأسد جاء بشهية أكبر للنهب، لكنه أكثر نعومة في مظهره. أُفرغ القضاء من هيبته، وسيطر أبناء خاله على الاقتصاد. أصبح السوري لا يثق بأي مؤسسة، ولا يصدق وعدًا حكوميًا. تحولت البلد إلى شبكة من المصالح الشخصية، ولا مكان للنزاهة أو القانون.




التهرب الضريبي: عُرف وطني لا مخالفة

حتى الطبيب أو التاجر الذي يملك مدخولاً جيدًا، يتهرب من الضرائب بحجة أن الدولة لا تقدم له شيئًا. في ثقافة البعث، الضرائب مجرد سرقة شرعية. ولذلك بات السوري يبرر لنفسه التهرب كحق مشروع.




التأمينات الاجتماعية: مؤسسة بلا عدالة

العمال السوريون في القطاع الخاص يعملون سنوات دون تسجيلهم في التأمينات. تُخصم منهم مبالغ، لكن لا تُدفع. عندما يمرض العامل أو يُطرد، يكتشف أنه لم يكن مؤمنًا عليه إطلاقًا. هذه كارثة أخلاقية ومجتمعية.




اللاجئ السوري والفساد المحمول

عندما خرج السوري إلى تركيا وأوروبا، حمل معه منظومة تفكير ترى في القانون عائقًا يمكن تجاوزه. البعض ما زال يبحث عن واسطة حتى في بلد القانون. آخرون يزورون وثائق، أو يتحايلون على أنظمة الدعم. إنه وجه آخر من أوجه الأسد داخلنا.




تركيا: فساد بطابع محلي

في تركيا، مارس بعض السوريين ألاعيبهم القديمة. بدل تقديم معلومات دقيقة، يتلاعبون بالعنوان أو عدد الأفراد لتحصيل كرت الهلال الأحمر. أرباب العمل الأتراك يستغلونهم بدورهم، فيُشغّلونهم بلا تأمين، مستفيدين من حاجة السوري للمال وخوفه من فقدان المساعدات.




ألمانيا: التحايل على الجوب سنتر

بعض السوريين في ألمانيا يديرون حياة مزدوجة: يقدمون أنفسهم كعاطلين عن العمل، بينما يعملون في الخفاء. يحصلون على مساعدات الجوب سنتر، ويتهربون من دفع الضرائب. آخرون يسجلون الأملاك والأموال بأسماء أقاربهم لتفادي الكشف. هذا أسلوب يؤدي إلى تدهور صورة الجالية ككل.




العمل الأسود في تركيا: ثنائية المال والمساعدة

كثير من السوريين يرفضون العقود الرسمية، خوفًا من قطع كرت الهلال.

أرباب العمل يفضلون العامل غير المسجل لتوفير الضرائب.

السوري يتواطأ في صمت: راتب بسيط، ومساعدة ثابتة، و"الله بيفرجها".





العمل الأسود في ألمانيا: الغش المقنن

"اشتغل بالأسود وعيش على الجوب سنتر" شعار شائع.

البعض يسجل العمل باسم الزوجة أو القريب، ويستمر هو في تلقي المعونة.

الدولة بدأت تراقب عن كثب، والجالية كلها تدفع ثمن هذا التلاعب.





مصر: منطقة رمادية للفساد المعتدل

في مصر، لم يكن السوري غريبًا عن بيئة بيروقراطية مألوفة. بعض المستثمرين السوريين أدخلوا أساليب التحايل معهم، من تضخيم العقود إلى التنصل من دفع الضرائب. ومع ذلك، نجح كثيرون في بناء نماذج مشرّفة، لكن الخلل في الثقافة ما زال ظاهرًا.




الخاتمة:

من المؤسف أن نكتشف أن الأسد لم يقتلنا فقط بالبراميل، بل بتفكيك أخلاقنا. الفساد الذي صنعه صار في سلوكنا اليومي. ولتقوم سوريا الحقيقية، لا يكفي أن نسقط النظام، بل أن نطهر أنفسنا من الميراث الأخلاقي الملوث.

الثورة القادمة؟ يجب أن تبدأ من دواخلنا.

من ضمير الموظف، وأمانة العامل، وصدق اللاجئ.

وإلا، فإننا سنظل نسقط، حتى بعد سقوط الأسد.

تعليقات

محتوى الصفحة