إرث الأسد البائد – الجزء الثالثح
الطوائف تُسلّح، والعشائر تُفتّت... كيف مزّق الأسد نسيج سوريا؟
متى يصبح الوطن خريطة للفرقة لا للانتماء؟
في سوريا الأسد، لم تكن الهوية الوطنية مظلة جامعة، بل قيداً يُفرض عليك منذ الطفولة. الطائفة، القرية، العشيرة، اللهجة – كلها تحوّلت من ملامح ثقافية إلى صكوك أمان أو تهم خيانة. تربّى السوري ليعرف من هم “نحن” ومن هم “هم”، من هو ابن الدولة، ومن هو الخطر الكامن. لم يكن ذلك صدفة، بل سياسة.
---
1. التعليم كأداة تطييف ناعم
لم يكن التلميذ السوري يتلقى فقط دروس اللغة والرياضيات، بل يتشرّب خطابًا خفيًا يرسّخ تفوّق طائفي ومناطقي.
الشخصيات البعثية المُعظمة في المناهج كانت غالبًا من بيئة النظام.
غياب أي تمثيل متوازن للمجتمعات السورية الأخرى.
حشو الولاء السياسي في كل فقرة تعليمية.
هكذا تحوّلت المدرسة إلى معمل تفريخ لوعي مشوّه، يعيد إنتاج التمييز باسم القومية.
---
2. الجيش والأمن: امتيازات الولاء الطائفي
تحوّلت المؤسسات السيادية إلى حصون مغلقة على أبناء الطائفة المقرّبة.
أغلب قادة الأفرع الأمنية من بيئة محددة جغرافيًا وطائفيًا.
صعود الضباط لا يتم بالكفاءة بل عبر الولاء العائلي والمناطقي.
الأوامر الأمنية كانت تُنفذ بفظاظة أكبر في مناطق تُعتبر “معارضة تاريخيًا”.
تلاشى مفهوم الجيش الوطني، وحلّ محله جيش يَعتبر بعض المواطنين “أعداء محتملين”.
---
3. العشائرية المُدجّنة: أداة تحكم وليست شراكة
في المناطق الشرقية والبادية، لم يُدمج أبناء العشائر بفعالية في الدولة، بل تم احتواؤهم سياسيًا بلا تمكين حقيقي:
شراء ولاءات شيوخ العشائر بالمال والسلاح والمناصب الشكلية.
ضرب نسيج العشيرة الواحدة بإثارة الانقسام الداخلي.
تهميش شباب العشائر في الوظائف والمؤسسات.
العشائر كانت مخزونا انتخابيا وعسكريا وقت الحاجة، وسجناء تهميش في غير ذلك.
---
4. الطائفية بعد زوال الأسد: نار تحت الرماد
حين سقطت بعض مناطق سوريا من يد النظام، لم تتوحد المجتمعات بل تقاتلت:
صراعات بين فصائل مسلحة بهويات طائفية أو مناطقية.
استمرار الخطاب الإقصائي داخل المعارضة ذاتها.
صعوبة خلق إدارة مدنية تمثيلية ومتوازنة في المحرر.
إرث الأسد لم يرحل معه، بل انغرس عميقًا في اللغة السياسية والسلوك المجتمعي.
---
5. اللاجئون وإعادة تدوير الفرقة في المنفى
في تركيا وألمانيا والأردن، حمل اللاجئون معهم هذا التصدع الداخلي:
مخيمات تعاني من انقسامات جغرافية وطائفية صامتة.
مبادرات مدنية تفشل بسبب نزعات مناطقية أو عشائرية.
تصاعد النظرة الفوقية أو دونية بين السوريين أنفسهم.
ما زرعه النظام من عنف رمزي بين السوريين انفجر حتى في بلدان اللجوء.
---
6. من أين نبدأ؟ تفكيك إرث الطائفية
لا يمكن بناء وطن فوق هويات فرعية متناحرة.
الاعتراف بالطائفية كأداة سلطة وليس كحقيقة مجتمعية أبدية.
إصلاح التعليم وتحريره من الخطاب المؤدلج.
بناء مؤسسات تمثيلية حقيقية، وإدماج العشائر لا تهميشها.
دعم مشاريع مجتمعية سورية جامعة في الداخل والشتات.
---
خاتمة: سوريا الممكنة... من الطائفة إلى الإنسان
الأسد نجح في أن يحوّل الهوية السورية إلى ألغام مؤجلة. أما التحدي الحقيقي، فهو تفكيك هذه الألغام دون أن تنفجر بنا. نحتاج لوطن لا يسأل عن دينك قبل اسمك، ولا عن قريتك قبل حلمك. سوريا الجديدة تبدأ من وعي جديد: أن تكون إنسانًا أولًا، وسوريًا دومًا، وكل شيء بعد ذلك يُعاد تشكيله.
تعليقات
إرسال تعليق